فصل: مَطْلَبُ بَيَانِ مُدَّةِ الْمَسْحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ:

أَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ جَوَازِهِ، وَفِي بَيَانِ مُدَّتِهِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِهِ، وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَنْقُضُهُ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا انْتَقَضَ.

.أَمَّا الْأَوَّلُ:

فَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلَّا شَيْئًا قَلِيلًا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّافِضَةِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقِيمِ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فَقِرَاءَةُ النَّصْبِ تَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مُطْلَقًا عَنْ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَرْجُلَ مَعْطُوفَةً عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَهِيَ مَغْسُولَةٌ، فَكَذَا الْأَرْجُلُ، وَقِرَاءَةُ الْخَفْضِ تَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ لَا عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ: «وَاَللَّهِ مَا مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ»، وَلَأَنْ أَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ عِيرٍ فِي الْفَلَاةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ رِوَايَةٍ قَالَ: لَأَنْ أَمْسَحَ عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»، وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ،، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي عُمَارَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَبَرُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمِثْلِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ إذَا وَرَدَتْ كَوُرُودِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَكَذَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ قَوْلًا، وَفِعْلًا، حَتَّى رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا مِنْ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلِهَذَا رَآهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ شَرَائِطِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَقَالَ فِيهَا: أَنْ تُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ، وَتُحِبَّ الْخَتَنَيْنِ، وَأَنْ تَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنْ لَا تُحَرِّمَ نَبِيذَ التَّمْرِ؛ يَعْنِي: الْمُثَلَّثَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا قُلْتُ: بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي فِيهِ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ فَكَانَ الْجُحُودُ رَدًّا عَلَى كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَنِسْبَةَ إيَّاهُمْ إلَى الْخَطَأِ، فَكَانَ بِدْعَةً، فَلِهَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ: أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الْمَسْحَ لَا خُلْفَ فِيهِ مَا مَسَحْنَا وَدَلَّ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّ خِلَافَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَسَحَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، حَتَّى قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ».
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بَعْدَ الْمَائِدَةِ».
وَرُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقِيلَ: لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقِيلَ لَهُ: أَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ أَسْلَمْتُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ؟ وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قُرِئَتْ بِقِرَاءَتَيْنِ فَنَعْمَلُ بِهِمَا فِي حَالَيْنِ، فَنَقُولُ وَظِيفَتُهُمَا الْغَسْلُ إذَا كَانَتَا بَادِيَتَيْنِ، وَالْمَسْحُ إذَا كَانَتَا مَسْتُورَتَيْنِ بِالْخُفِّ، عَمَلًا بِالْقِرَاءَتَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ مَسَحَ عَلَى خُفِّهِ إنَّهُ مَسَحَ عَلَى رِجْلِهِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ضَرَبَ عَلَى رِجْلِهِ، وَإِنْ ضَرَبَ عَلَى خُفِّهِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ تَصِحَّ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عِكْرِمَةَ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتْ رِوَايَتُهُ عَطَاءً قَالَ كَذَبَ عِكْرِمَةُ وَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِلَافَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَثْبُتْ.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُخَالِفُ النَّاسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى تَابَعَهُمْ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ مَالِكٍ، فَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَسْحَ شُرِعَ تَرَفُّهًا، وَدَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، فَيَخْتَصُّ شَرْعِيَّتُهُ بِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ، وَهُوَ السَّفَرُ.
(وَلَنَا) مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاعْتِبَارِ غَيْرُ سَدِيدٍ، لِأَنَّ الْمُقِيمَ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَفُّهِ، وَدَفْعِ الْمَشَقَّةِ، إلَّا إنَّ حَاجَةَ الْمُسَافِرِ إلَى ذَلِكَ أَشَدُّ، فَزِيدَتْ مُدَّتُهُ لِزِيَادَةِ التَّرْفِيهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

.مَطْلَبُ بَيَانِ مُدَّةِ الْمَسْحِ:

(وَأَمَّا بَيَانُ مُدَّةِ الْمَسْحِ) فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ هَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِمُدَّةٍ؟ قَالَ عَامَّتُهُمْ: إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمُدَّةٍ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَفِي حَقِّ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ كَمْ شَاءَ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَلَغَ بِالْمَسْحِ سَبْعًا».
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ وَقَدْ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ: مَتَى عَهْدُكَ بِالْمَسْحِ؟ قَالَ: سَبْعًا فَقَالَ عُمَرُ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصَبْتَ السُّنَّةَ (وَبَلَغَ بِالْمَسْحِ سَبْعًا)، فَهُوَ غَرِيبٌ، فَلَا يُتْرَكُ بِهِ الْمَشْهُورُ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا أَنَّهُ بَلَغَ بِالْمَسْحِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ احْتَاجَ إلَى الْمَسْحِ سَبْعًا فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَقَدْ رَوَى جَابِرُ الْجُعْفِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ، وَلَيْلَةٌ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَتَى عَهْدُكَ بِلُبْسِ الْخُفِّ؟ ابْتِدَاءَ اللُّبْسِ أَيْ مَتَى عَهْدُكَ بِابْتِدَاءِ اللُّبْسِ؟، وَإِنْ كَانَ تَخَلَّلَ بَيْنَ ذَلِكَ نَزْعُ الْخُفِّ.
ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ مُدَّةِ الْمَسْحِ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ يُعْتَبَرُ؟ فَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، فَيَمْسَحُ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، فَيَمْسَحُ مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ إلَى وَقْتِ اللُّبْسِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ، فَيَمْسَحُ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ إلَى وَقْتِ الْمَسْحِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ مَا انْفَجَرَ الصُّبْحُ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ وَقْتَ اللُّبْسِ، يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدِ انْفِجَارِ الصُّبْحِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا إلَى مَا بَعْدِ انْفِجَارِ الصُّبْحِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ وَقْتَ الْمَسْحِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا.
وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ جُعِلَ مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، وَمَعْنَى الْمَنْعِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْحَدَثِ، فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ تَوْسِعَةً، وَتَيْسِيرًا لِتَعَذُّرِ نَزْعِ الْخُفَّيْنِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَالْحَاجَةُ إلَى التَّوْسِعَةِ عِنْدَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّزْعِ عِنْدَهُ، وَلَوْ تَوَضَّأَ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ، فَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، لَا تَتَحَوَّلُ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ مَسْحِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ لَمَّا تَمَّتْ سَرَى الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ صَارَ الْخُفُّ رَافِعًا لِلْحَدَثِ لَا مَانِعًا، وَلَيْسَ هَذَا عَمَلَ الْخُفِّ فِي الشَّرْعِ.
وَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ، فَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ الْحَدَثِ، أَوْ بَعْدَ الْحَدَثِ، قَبْلَ الْمَسْحِ، تَحَوَّلَتْ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ السَّفَرِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ الْمَسْحِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَحَوَّلُ، وَلَكِنَّهُ يَمْسَحُ تَمَامَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، وَيَنْزِعُ خُفَّيْهِ، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ مُدَّةَ السَّفَرِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا، وَلَيْلَةً»، وَلَمْ يُفَصِّلْ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيَهَا»، وَهَذَا مُسَافِرٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُقِيمَ وَقَدْ بَطَلَتْ الْإِقَامَةُ بِالسَّفَرِ، هَذَا إذَا كَانَ مُقِيمًا فَسَافَرَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَأَقَامَ فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ السَّفَرِ نَزَعَ خُفَّيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ مُدَّةَ السَّفَرِ فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ تَمَامِ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، فَكَذَلِكَ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ لَمَسَحَ، وَهُوَ مُقِيمٌ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ يَوْمًا، وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ مُقِيمٌ فَيُتِمُّ مُدَّةَ الْمُقِيمِ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ الْمَسْحِ بِيَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ، وَبِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيهَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، فِي حَقِّ الْأَصِحَّاءِ.
فَأَمَّا فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ، كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ، وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَمَنْ بِمِثْلِ حَالِهِمَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ زُفَرَ وَأَمَّا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ فَيَخْتَلِفُ الْجَوَابُ، إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ إذَا تَوَضَّأَ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ كَانَ الدَّمُ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ وَأَمَّا إنْ كَانَ سَائِلًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ، سَائِلًا وَقْتَ اللُّبْسِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ سَائِلًا وَقْتَ الْوُضُوءِ، مُنْقَطِعًا وَقْتَ اللُّبْسِ، فَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالَيْنِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصِحَّاءِ؛ لِأَنَّ السَّيَلَانَ وُجِدَ عَقِيبَ اللُّبْسِ، فَكَانَ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَمَنَعَ الْخُفُّ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمَيْنِ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً.
وَأَمَّا فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ نَزَعَ خُفَّيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَسْتَكْمِلُ مُدَّةَ الْمَسْحِ كَالصَّحِيحِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ طَهَارَةَ صَاحِبِ الْعُذْرِ طَهَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ السَّيَلَانَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهَا، فَحَصَلَ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَأُلْحِقَتْ بِطَهَارَةِ الْأَصِحَّاءِ.
(وَلَنَا) أَنَّ السَّيَلَانَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فِي الْوَقْتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ طَهَارَتَهُ تُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْحَدَثُ، فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ صَارَ مُحْدِثًا مِنْ وَقْتِ السَّيَلَانِ.
وَالسَّيَلَانُ كَانَ سَابِقًا عَلَى لُبْسِ الْخُفِّ، وَمُقَارِنًا لَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ لَا عَلَى الطَّهَارَةِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّيَلَانَ ثَمَّةَ وُجِدَ عَقِيبَ اللُّبْسِ، فَكَانَ اللُّبْسُ حَاصِلًا عَنْ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ.
(وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الْمَسْحِ) فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَاسِحِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَمْسُوحِ أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَاسِحِ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لَابِسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عِنْدَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ اللُّبْسِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ اللُّبْسِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَوَّلًا، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عِنْدَنَا، لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ وَقْتَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَهُ شَرْطٌ، فَكَانَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأُخَرِ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، فَلَمْ تُوجَدْ الطَّهَارَةُ وَقْتَ اللُّبْسِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ فَرَتَّبَ، لَكِنَّهُ غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ الْخُفَّ، قِيلَ: لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، وَإِنْ وُجِدَ التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ لُبْسِهِمَا، حَتَّى لَوْ نَزَعَ الْخُفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ لَبِسَهُ جَازَ الْمَسْحُ، لِحُصُولِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْمَسْحَ شُرِعَ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْمَسْحِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْحَدَثِ قَبْلَ اللُّبْسِ فَلَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْغَسْلُ، وَكَذَا لَا حَاجَةَ بَعْدَ اللُّبْسِ قَبْلَ الْحَدَثِ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ، فَكَانَ الشَّرْطُ كَمَالَ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ مُحْدِثٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَخَاضَ الْمَاءَ حَتَّى أَصَابَ الْمَاءُ رِجْلَيْهِ فِي دَاخِلِ الْخُفِّ، ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَهُوَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ اللُّبْسِ، وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ مُحْدِثٌ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَمَّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا عِنْدَنَا فَلِانْعِدَامِ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِانْعِدَامِهَا عِنْدَ اللُّبْسِ.
وَلَوْ أَرَادَ الطَّاهِرُ أَنْ يَبُولَ، فَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ بَالَ، جَازَ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فَقِيهٌ.
وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ، نَزَعَ خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى التَّيَمُّمِ، إذْ رُؤْيَةُ الْمَاءِ لَا تُعْقَلُ حَدَثًا، لِأَنَّهُ امْتَنَعَ ظُهُورُ حُكْمِهِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَعِنْدَ وُجُودِهِ ظَهَرَ حُكْمُهُ فِي الْقَدَمَيْنِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ لَجَعَلْنَا الْخُفَّ رَافِعًا لِلْحَدَثِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَإِنْ وَجَدَ مَاءً مُطْلَقًا، نَزَعَ خُفَّيْهِ، وَتَوَضَّأَ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَتَيَمَّمَ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَلَمْ يَتَيَمَّمْ، حَتَّى أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَيَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَيُصَلِّي لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ، إنْ كَانَ طَهُورًا فَالتَّيَمُّمُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ هُوَ التُّرَابُ، فَالْقَدَمُ لَا حَظَّ لَهَا مِنْ التَّيَمُّمِ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرِ قَدَمَيْهِ، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، أَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ صَحِيحَةً، فَغَسَلَهَا، وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرِ الْأُخْرَى، وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَرَأَ الْجُرْحُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا، فَحَصَلَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُمَا مَغْسُولَتَيْنِ حَقِيقَةً فِي الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ بَرَأَ الْجُرْحُ، نَزَعَ خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ، فَظَهَرَ أَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ لَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ فِي الزِّيَادَاتِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ خَفِيفًا، فَإِنْ كَانَ غَلِيظًا، وَهُوَ الْجَنَابَةُ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْمَسْحُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ يَأْمُرُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَيَالِيَهَا، لَا عَنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ»، وَلِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْحَدَثِ الْخَفِيفِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ، وَيَغْلِبُ وُجُودُهُ فَيَلْحَقُهُ الْحَرَجُ، وَالْمَشَقَّةُ فِي نَزْعِ الْخُفِّ، وَالْجَنَابَةُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهَا، فَلَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ.
الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَمْسُوحِ، فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ خُفًّا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُفِّ، وَكَذَا مَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْجِلْدِ مِمَّا سِوَى الْخُفِّ، كَالْمُكَعَّبِ الْكَبِيرِ، وَالْمِيثَمِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخُفِّ.

.مَطْلَبُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوَارِبِ:

وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مُجَلَّدَيْنِ، أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ، وَلَا مُنَعَّلَيْنِ، فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ يَشِفَّانِ الْمَاءَ، لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ قَالَ لِعُوَّادِهِ: فَعَلْتُ مَا كُنْت أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْهُ فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوَارِبِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنَعَّلَةً، إلَّا إذَا كَانَتْ مُجَلَّدَةً إلَى الْكَعْبَيْنِ، احْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ»؛ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْخُفِّ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالنَّزْعِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَوْرَبِ، بِخِلَافِ اللِّفَافَةِ، وَالْمُكَعَّبِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي نَزْعِهِمَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَبَتَ نَصًّا، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، فَكُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ فِي إدْمَانِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، وَإِمْكَانِ قَطْعِ السَّفَرِ بِهِ، يَلْحَقُ بِهِ، وَمَا لَا، فَلَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ غَيْرَ الْمُجَلَّدِ، وَالْمُنَعَّلِ، مِنْ الْجَوَارِبِ لَا يُشَارِكُ الْخُفَّ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ، عَلَى أَنَّ شَرْعَ الْمَسْحِ إنْ ثَبَتَ لِلتَّرْفِيهِ، لَكِنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّرْفِيهِ، فِيمَا يَغْلِبُ لُبْسُهُ، وَلُبْسُ الْجَوَارِبِ مِمَّا لَا يَغْلِبُ، فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى التَّرْفِيهِ، فَبَقِيَ أَصْلُ الْوَاجِبِ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ.
(وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ، أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، وَبِهِ نَقُولُ: وَلَا عُمُومَ لَهُ، لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الرَّقِيقَ مِنْ الْجَوَارِبِ؟ وَأَمَّا الْخُفُّ الْمُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَدِ، فَلَمْ يَذْكُرُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ،، وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ يُطِيقُ السَّفَرَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ.
(وَأَمَّا) الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ مِنْ الْجِلْدِ، فَإِنْ لَبِسَهُمَا فَوْقَ الْخُفَّيْنِ جَازَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ وَحْدَهُ، قِيلَ: إنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ؛ فَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ، لَجَعَلْنَا لِلْبَدَلِ بَدَلًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» وَلِأَنَّ الْجُرْمُوقَ يُشَارِكُ الْخُفَّ فِي إمْكَانِ قَطْعِ السَّفَرِ بِهِ، فَيُشَارِكُهُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا شَارَكَهُ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَلِأَنَّ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ، بِمَنْزِلَةِ خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ، وَذَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، فَكَذَا هَذَا وَقَوْلُهُ: الْمَسْحُ عَلَيْهِ بَدَلٌ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مَمْنُوعٌ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، قَائِمٌ مَقَامَهُ، إلَّا إنَّهُ إذَا نَزَعَ الْجُرْمُوقَ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، لِوُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ، وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَهُوَ الْخُفُّ.
ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ عِنْدَنَا، إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى الْخُفَّيْنِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، فَإِنْ أَحْدَثَ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ، لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوْ لَا أَمَّا إذَا مَسَحَ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ اسْتَقَرَّ عَلَى الْخُفِّ، فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمْسَحْ فَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ مُدَّةِ الْمَسْحِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ وَقَدْ انْعَقَدَ فِي الْخُفِّ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْجُرْمُوقِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ لِتَعَذُّرِ النَّزْعِ، وَهُنَا لَا حَاجَةَ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ لُبْسُ الْجُرْمُوقِ، فَلَمْ يَجُزْ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى الْحَدَثِ، كَذَا هَذَا.
وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ ثُمَّ نَزَعَ أَحَدَهُمَا، مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ الْبَادِي، وَأَعَادَ الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْبَاقِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، وَزُفَرُ: يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ الْبَادِي، وَلَا يُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْبَاقِي.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْزِعُ الْجُرْمُوقَ الْبَاقِي، وَيَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْجُرْمُوقَ بِالْخُفِّ، وَلَوْ نَزَعَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ، يَنْزِعُ الْآخَرَ، وَيَغْسِلُ الْقَدَمَيْنِ، كَذَا هَذَا وَجْهُ قَوْلِ الْحَسَنِ، وَزُفَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ، وَبَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ابْتِدَاءً، بِأَنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْخُفَّيْنِ جُرْمُوقٌ دُونَ الْآخَرِ، فَكَذَا بَقَاءٌ، وَإِذَا بَقِيَ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْبَاقِي، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرِّجْلَيْنِ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ، بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ، لَا يَحْتَمِلُ التَّجْزِيء، فَإِذَا اُنْتُقِضَتْ الطَّهَارَةُ فِي إحْدَاهُمَا بِنَزْعِ الْجُرْمُوقِ، تُنْتَقَضُ فِي الْأُخْرَى ضَرُورَةً، كَمَا إذَا نَزَعَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ،، وَهُمَا لِبَاسَا الْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، لِتَعَذُّرِ النَّزْعِ، وَلَا حَرَجَ فِي نَزْعِ الْقُفَّازَيْنِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ بِالْخُفِّ خَرْقٌ كَثِيرٌ، فَأَمَّا الْيَسِيرُ، فَلَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ قَلِيلُهُ، وَكَثِيرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ،، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، الْخَرْقُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْمَسْحِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُفِّ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَمَا دَامَ اسْمُ الْخُفِّ لَهُ بَاقِيًا، يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ، وَإِنْ قَلَّ وَجَبَ غَسْلُهُ لِحُلُولِ الْحَدَثِ بِهِ، لِعَدَمِ الِاسْتِتَارِ بِالْخُفِّ، وَالرِّجْلُ فِي حَقِّ الْغَسْلِ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ، فَإِذَا وَجَبَ غَسْلُ بَعْضِهَا، وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْمَسْحِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ خِفَافَهُمْ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ الْخُرُوقِ، فَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَيَانًا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْخُرُوقِ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ؛ وَلِأَنَّ الْمَسْحَ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَسْلِ تَرَفُّهًا، فَلَوْ مَنَعَ قَلِيلَ الِانْكِشَافِ، لَمْ يَحْصُلْ التَّرْفِيهُ لِوُجُودِهِ فِي أَغْلَبِ الْخِفَافِ، وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، هُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا.
ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ أَصَابِعُ الْيَدِ، وَأَصَابِعُ الرِّجْلِ، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصْغَرِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالثَّلَاثِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ إذَا انْكَشَفَ، مَنَعَ مِنْ قَطْعِ الْأَسْفَارِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الثَّلَاثَ أَصَابِعَ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، ثُمَّ الْخَرْقُ الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَتِحًا، بِحَيْثُ يَظْهَرُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْقَدَمِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، أَوْ يَكُونَ مُنْضَمًّا لَكِنَّهُ يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُنْضَمًّا لَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، كَذَا رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْفَتِحًا، أَوْ يَنْفَتِحُ عِنْدَ الْمَشْيِ، لَا يُمْكِنُ قَطْعُ السَّفَرِ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ، يَمْنَعُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَرْقُ فِي ظَاهِرِ الْخُفِّ، أَوْ فِي بَاطِنِهِ، أَوْ مِنْ نَاحِيَةِ الْعَقِبِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ بَدَا ثَلَاثٌ مِنْ أَنَامِلِهِ، اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَمْنَعُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْنَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ انْكَشَفَتْ الظِّهَارَةُ، وَفِي دَاخِلِهِ بِطَانَةٌ مِنْ جِلْدٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ الْقَدَمُ، يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ، يُجْمَعُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، فَإِنْ بَلَغَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، يَمْنَعُ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ فِي خُفَّيْنِ لَا يُجْمَعُ وَقَالُوا فِي النَّجَاسَةِ، إنْ كَانَتْ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَتْ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَرْقَ إنَّمَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْمَسْحَ لِظُهُورِ مِقْدَارِ فَرْضِ الْمَسْحِ، فَإِذَا كَانَ مُتَفَرِّقًا، فَلَمْ يَظْهَرْ مِقْدَارُ فَرْضِ الْمَسْحِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي النَّجَاسَةِ هُوَ كَوْنُهُ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ، وَمَعْنَى الْحَمْلِ مُتَحَقِّقٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ، أَوْ فِي خُفَّيْنِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ، حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِهِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاطِنِ لَا يَجُوزُ، وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنِ فِي الْمَسْحِ، إلَّا إذَا كَانَ عَلَى بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ.
وَحَكَى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ فِي كِتَابِ الِاخْتِلَافِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَسْفَلِ الْخُفِّ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى الْعَقِبِ، أَوْ عَلَى جَانِبِيِّ الْخُفِّ، أَوْ عَلَى السَّاقِ لَا يَجُوزُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ».
، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ دُونَ بَاطِنِهِمَا، وَلِأَنَّ بَاطِنَ الْخُفِّ لَا يَخْلُو عَنْ لَوْثٍ عَادَةً، فَالْمَسْحُ عَلَيْهِ يَكُونُ تَلْوِيثًا لِلْيَدِ، وَلِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْحَرَجِ، وَمَا شُرِعَ الْمَسْحُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ،، وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ.
وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْغَسْلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ.
وَكَذَا فِعْلُ الْمَسْحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ بِدُونِهِ أَيْضًا، بَلْ الشَّرْطُ إصَابَةُ الْمَاءِ، حَتَّى لَوْ خَاضَ الْمَاءَ، أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ، جَازَ عَنْ الْمَسْحِ، وَلَوْ مَرَّ بِحَشِيشٍ مُبْتَلٍّ، فَأَصَابَ الْبَلَلُ ظَاهِرَ خُفَّيْهِ، إنْ كَانَ بَلَلَ الْمَاءِ أَوْ الْمَطَرِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بَلَلَ الطَّلِّ قِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الطَّلَّ لَيْسَ بِمَاءٍ.